توم برّاك يهاجم “سايكس-بيكو” ويدافع عن “بلاد الشام”
كتب: عريب الرنتاوي – لولا معرفتنا بالسيد توماس برّاك وخلفيته، والغاية من زيارته للمنطقة، لكان من الممكن أن نعتبره من بقايا “البعث” أو “القوميين العرب”، وأكثرهم حماسة فيما يتعلق بالشأن السوري. منذ توليه المنصب، لم يتردد في انتقاد اتفاقية “سايكس-بيكو”، مُسلمًا بأن هذه الاتفاقية كانت سببًا رئيسيًا في الخرائط الاستعمارية المعروفة. في البداية، كانت تصريحاته مثيرة للدهشة، إذ بدا وكأنه في خضم مراجعة تاريخية للقرن الماضي في العالم العربي، ونطق باسم رئيسه الذي يتسم بالتقلب.
بمرور الوقت، بدأت تتضح الأبعاد الخفية وراء تصريحاته. فكلما زادت انطلاقاته الكلامية، اتضحت أهدافه الأبعد، حيث بدا كأنه يسعى لإعادة تقسيم المنطقة وفقًا لحدود جديدة. إذ أن “سايكس-بيكو 1” رسمت الحدود تبعاً لنتائج الحرب العالمية الأولى، بينما “سايكس-بيكو 2” تُعنى بتقسيم جديد يستند إلى الطوائف والمذاهب، مدعومًا بأفكار تم تداولها بين مفكرين أمريكيين وإسرائيليين. برّاك يبدو كأنه يتبنى فكرة وجود “مركز” سنّي في دمشق، مع العديد من “المحيطات” من حوله، وطموحاته قد تتسع لتشمل العراق وما بعده.
في هذا السياق، يمكن فهم تسارع الولايات المتحدة في رفع العقوبات عن النظام السوري، وكذلك التقبّل الأمريكي لطريقة تعامل دمشق مع ملف المقاتلين الأجانب. تصريحات برّاك عبرت عن دعم قوي للنظام الجديد، مشيرًا إلى أن الشرع هو القائد الذي يتمتع بالشجاعة، مما يعكس تحولاً في الموقف الأمريكي.
ومع ذلك، تتبدى خطط برّاك التي تؤكد على دعم المركز السنّي وربط الأقليات به كنوع من المحميات. فبنقل دعمه من “قسد” إلى الدولة السورية، يُظهر برّاك كيف أن الأمور تتجه نحو ضبط العلاقات، مع التأكيد على التقليص من نفوذ خصوم النظام. التحذيرات التي وجهها برّاك للبنان تشير إلى نياته في إعادة صياغة العلاقات والمعادلات الموجودة، مما يثير المخاوف حول توظيف هذه الديناميكيات من قبل القوى الكبرى.
الهزة الأمريكية الجديدة في مقارباتها لم تأتِ بطريقة مفاجئة، بل تعكس حاجة ماسة لتوحيد الصفوف لمواجهة إيران وأنصارها. إذ تقبع دمشق تحت قيادة الشرع حالياً، وقد أصبحت شريكًا مرتقبًا في تلك المعارك، مما يعكس الفهم الأمريكي الأعمق للوضع الإقليمي.
في النهاية، يبدو أن العلاقات بين دمشق و”تل أبيب” قد تنتقل إلى مرحلة جديدة، لكن بأبعاد يتعذر تحقيقها دون تعديل كبير في خريطة المصالح. على الرغم من ذلك، فإن المستقبل لا يزال غامضًا حول كيفية تطور هذه العلاقات، وماهي الآلية التي يمكن أن تعلو بشأنها العقبات الحالية.
اترك تعليقاً