مستقبل الأمين العام لجامعة الدول العربية
في ظل الجدل المستمر حول منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، تطرح تساؤلات حول موقف المملكة العربية السعودية من هذه القضية، وسط شائعات تتداول بلا أي أساس رسمي. الواقع الذي يتضح للمتابع هو أن “الجامعة العربية، بصيغتها الحالية، غير قادرة على تحقيق الحد الأدنى من التنسيق العربي، فضلاً عن قيادة الملفات الكبرى”. هذا ما يصرح به الباحث السياسي الدكتور أسامة عبد المجيد، مشيراً إلى أن غياب الجامعة عن قضايا هامة كغزة وسوريا والسودان يعكس حالة شلل مزمنة تعاني منها.
موقع الجامعة العربية في القضايا الراهنة
احصائيات حديثة تدعم هذا الرأي، حيث يشير تقرير صادر عن مركز الدراسات العربية لعام 2024 إلى أن 72% من الملفات العربية الملحة تم التعامل معها عن طريق قنوات ثنائية أو إقليمية، بينما اقتصر دور الجامعة على إصدار بيانات فضفاضة عديمة الأثر. لنأخذ بعض الملفات الحساسة كأمثلة: مفاوضات غزة التي تتولاها مصر وقطر، التوافق الخليجي بشأن البرنامج النووي الإيراني الذي تقوده عُمان ودول الخليج، والجهود السعودية المتواصلة لإعادة سوريا إلى محيطها العربي. كل هذه التحركات تتم خارج أطر الجامعة، مما يعكس واقعاً مؤلماً يتمثل في أن الجامعة العربية لم تعد قادرة على معالجة القضايا العربية الكبرى، ولا تمثل مظلة فعالة لحل النزاعات.
حتى القضايا المزمنة مثل أزمة المغرب والجزائر أو الوضع في السودان لم تتمكن الجامعة من إدراجها في جدول أعمالها بجدية. وقد أكد تقرير للمرصد العربي للدبلوماسية في 2023 أن “أكثر من 60% من القضايا الخلافية بين الدول الأعضاء لم تُناقش في اجتماعات الجامعة”.
كما يقول دبلوماسي خليجي، الذي فضل عدم ذكر اسمه: “كلما لجأنا إلى الجامعة، نجد أنفسنا أمام تباين مصالح لا ينتهي، وبيانات ختامية تفتقر إلى الأثر الفعلي”. في ضوء هذا المشهد، يبدو أن السعودية ليست مهتمة بمنصب الأمين العام أو إعادة هيكلة جامعة فقدت قدرتها على تلبية متطلبات المرحلة. فالعمل العربي المشترك في الوقت الحالي يحتاج إلى هياكل أكثر مرونة وفاعلية، تتجاوز الشعارات الدبلوماسية.
السعودية وغيره من الدول العربية الرئيسية تدرك أن الوقت قد حان لتنحية الماضي جانباً، وبناء شراكات حقيقية بعيداً عن هذه المنظومة المتخلفة. ما هو مؤكد هو أن المملكة تواصل اتباع سياسة تركز على الواقعية والبراغماتية، بعيداً عن الانغماس في خلافات وهمية أو إرث بيروقراطي عديم الجدوى. لذلك، أي حديث عن اهتمام سعودي بمنصب الأمين العام للجامعة بدون تصريح رسمي لن يتعدى كونه تكهنات لا تؤثر في مجريات الأحداث.
في زمن عربي مليء بالتحديات، ينبغي علينا أن نعيد النظر بجرأة في جدوى الجامعة العربية، وأن نعترف بأن الحلول الفعلية لن تأتي من مؤسسة فقدت القدرة على الفعل، بل من الدول العربية نفسها، من خلال تحركاتها المستقلة وإرادتها.
اترك تعليقاً