العلاقات التركية-الإسرائيلية وأبعادها الإقليمية
تعتبر الجمهورية التركية من الدول الإسلامية الكبيرة، حيث تتمتع بمساحة تمتد إلى 783,562 كم² وسكان يبلغ عددهم حوالي 85 مليون نسمة، مما يجعلها من أبرز الدول في الإقليم العربي. إن كونها دولة إسلامية يمنحها تأثيراً كبيراً في العالمين العربي والإسلامي، لكنها في الوقت ذاته تتبنى سياسات مائلة نحو الغرب، خصوصاً من خلال انضمامها إلى حلف “ناتو”، مما ساهم في تحسين علاقاتها مع إسرائيل في فترات سابقة.
التوترات بين تركيا وإسرائيل
ومع ذلك، شهدت العلاقات بين تركيا وإسرائيل تدهوراً ملحوظاً بسبب رفض تركيا لسياسات الإبادة الجماعية التي تتبعها إسرائيل بحق الفلسطينيين. كما أن مرحلة جديدة من التوتر بدأت منذ 8 ديسمبر 2024، حين هرب بشار الأسد من سوريا، مما أضاف مزيداً من الضغوط على العلاقات الثنائية. يظهر الآن أن هناك اختلافات كبيرة ستظهر بين الطرفين فيما يتعلق بالوضع السوري، حيث تضاربت مصالحهما بشكل واضح في ظل الأوضاع المضطربة.
تسعى إسرائيل لتقويض سوريا وتقسيمها إلى دويلات متعددة، وهو ما يتماشى مع تصريحات قادة الاحتلال التاريخية الذين أكدوا أن وجود إسرائيل يعتمد على تدمير بعض الدول العربية المجاورة. حتى وقت قريب، كانت إسرائيل تدعم نظام الأسد، ولكن الآن تود استغلال الفوضى التي تعيشها سوريا للهيمنة على الوضع هناك وضمان عدم ظهور أي قوة سياسية قادرة على تهديدها.
إحدى السياسات الخبيثة التي تتبعها إسرائيل تهدف إلى تقوية بعض الأقليات في سوريا كالأكراد، حيث تعد هذه الأقلية طموحة لتأسيس دولة خاصة بها. تشكل الأكراد نسبة كبيرة من سكان تركيا، ما يثير مخاوف جدية داخل السلطات التركية من تأثير حالة التفكك السوري على وحدة البلاد. يعتقد أن دعم إسرائيل للأكراد سيعزز من تقويتهم ويهدد وحدة تركيا، خاصة وأن الإحصاءات تشير إلى أن الأكراد يمثلون أكبر أقلية في تركيا، وتسعى جماعاتهم السياسية إلى إقامة دولة كردية تضمهم وتمتد عبر الحدود إلى دول مجاورة.
وفي خضم هذه الأوضاع، تعمل تركيا على ضمان انتقال سلس للسلطة في سوريا بعد زوال نظام الأسد. عدم الاستقرار في سوريا يشكل تهديداً مباشراً لأمن تركيا، وسط مخاوف من أن تحاول إسرائيل استغلال هذه الفوضى لزيادة نفوذها. تتوقع التحليلات أن يتصاعد التوتر بين تركيا وإسرائيل حول سوريا، حيث قد تؤدي هذه التوترات إلى عدة سيناريوهات، منها نشوب صراع غير مباشر يساعد فيه كل طرف الميليشيات المناهضة للآخر، أو حتى اندلاع صراع مباشر قد يجعل تركيا، عضوة في حلف ناتو، في مواجهة إسرائيل.
ينبغي أن تظل المخاطر قائمة في هذه الديناميات الإقليمية، مع وجود احتمالية لتدخلات خارجية تقود إلى تفاهمات جديدة حول النفوذ والسيطرة في سوريا. وهذا ما يجعل الوضع متقلباً في المستقبل القريب، ما يستدعي الحرص والمتابعة من جميع الأطراف المعنية.
اترك تعليقاً