سوريا: خيار الدولة أو الفوضى – جديد أخبار السعودية

التحولات الدولية وتأثيرها على الدولة في سوريا

تشهد المشاهد الإقليمية والدولية اليوم تغييرات سريعة ومدهشة، مما يجعل من الصعب على من لا يفهم التاريخ أو يتأمل في مسارات القوى أن يدرك عمق هذه التحولات. الأحداث الأخيرة التي عصفت بالمنطقة تعتبر دليلاً واضحاً على كشف الخديعة التي روجت لها جماعات السلاح والتنظيمات الموازية للدولة. ويبدو أن الوضع في سوريا يبرز أهمية هذه الحقائق، إذ تستعيد الدولة عافيتها بعد سنوات من التمزق، لتؤكد حقيقة أن لا بديل عن وجود دولة واحدة وجيش واحد وسلطة واحدة. لقد كانت ازدواجية السلاح ووجود المليشيات لعقود مصدر خراب وتهديد للأمن، وعندما تتعدد الأسلحة، تتراجع العدالة ويغيب القانون، مما يؤدي إلى تحول الجغرافيا إلى مشهد دامٍ تحت سيطرة القوة والعصابات.

مظاهر التحديات والسيطرة

إن الإرادة الدولية التي بدأت تتشكل بعد الأحداث الكبرى التي بدأت في السابع من أكتوبر تشير إلى أن أمن المنطقة والعالم لا يمكن تحقيقه إلا من خلال وجود دول قوية تمتلك الحق الحصري لاستخدام القوة المشروعة. هذا التحول يعكس تغيراً عميقاً في الوعي السياسي على مستوى العالم، حيث ثبت أن دعم الجماعات المسلحة لا يؤدي إلا إلى الفوضى وزيادة التهديدات للأمن الإقليمي والدولي. ولكن بعض الأطراف في سوريا لا تزال تمسك بفكرة خاطئة تفيد بأن النظام في دمشق يمكن إسقاطه بسهولة، وأن هناك قوى دولية قد تتدخل عسكرياً للإطاحة بالسلطة الشرعية، وهو ما يعد قراءة قاصرة للمسرح الدولي الجديد ولتغيرات التوازنات العالمية.

هذا التحول ليس مجرد تكتيك عابر، بل هو اتجاه استراتيجي يؤكد على ضرورة استعادة الدول لسيادتها الكاملة دون شراكة أو منافسة مسلحة. في هذا السياق، توفر سوريا اليوم ميدان اختبار فعلي لهذا التحول الدولي، حيث تواجه دمشق تحديات صعبة في استعادة سلطتها على كامل ترابها وإعادة هيكلة مؤسساتها لتكون قادرة على فرض القانون وحماية حقوق مواطنيها دون أي تمييز. وتتعقد الأمور بشكل أكبر عندما نجد القوى التي كانت تعتمد على السلاح خارج إطار الدولة تعاني اليوم من العزلة الإقليمية والدولية، بعد أن تخلت عنها القوى التي استخدمتها كأدوات لمصالحها. إن صراع الدولة ضد هذه المليشيات أصبح الآن جزءاً من معركة أكبر لإحياء مفهوم الدولة في المنطقة.

اليوم، أمام سوريا خيار حاسم: إما أن تعيد بناء دولة شاملة لكل أبنائها، أو أن تستسلم لمصير الفوضى. الأحداث في السويداء توضح أن دمشق قد حسمت قرارها. فبالنسبة للبلد، لا توجد سوى دولة قادرة على ضمان الأمن والاستقرار والعدالة بين الجميع، في حين أن الفوضى تترك فقط خرباً ودماء. آن الأوان للشعب السوري أن يكتب بنفسه تاريخاً جديداً وأن يدافع عن دولته، لأنها هي الوحيدة القادرة على إنقاذه من حالة العبث والانهيار.

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *