حصرية استخدام العنف في الدولة الحديثة
في سياق التقاليد البروسيّة الألمانية، يبرز مبدأ حصرية استخدام العنف ووسائله بيد الدولة كعلامة واضحة على وجود الدولة الحقيقية. تاريخياً، كان امتلاك السلاح وحمله يُعتبر من مظاهر الاستقلال والقوة لدى الشعوب، بما فيها الشعوب الأوروبية، قبل نشوء الدولة الحديثة التي تمتلك سلطات إنفاذ القانون والجيوش لحماية البلاد والدفاع عنها. من يشعر بالشغف تجاه السلاح والمجال العسكري أو الأمني، يُمكنه الانخراط في المؤسسات الرسمية ذات الطابع العسكري، بما يضمن توجيه طاقاته في قنوات شرعية تصبّ في مصلحة الدولة.
السلاح كرمز للسيادة والاستقلال
مع تطور الزمن، أصبح حمل السلاح يرتبط بقضايا قومية وثورية، مثل القضية الكردية أو قضايا أصولية وثورية مثل تنظيم القاعدة وحزب الله. فقد أعلن حزب العمال الكردستاني قبل فترة عن إلقاء سلاحه بعد 47 عاماً من الكفاح، حيث أقام بعض مقاتليه احتفالية رمزية بإحراق أسلحتهم عند كهف “جاسنة”، الموقع التاريخي الذي يحمل معاني عميقة في الذاكرة الكردية. وقد احتفى الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، بهذه الخطوة، مشيراً إلى طرق سياسية لضمان حقوق الأكراد بعيداً عن السلاح.
في حالة لبنان، يُعتبر سلاح حزب الله أحد العوائق الأساسية في مجرى الأحداث. حيث يُواصل السجال هناك بين القوى السياسية والحكومة، وسط ضغط أمريكي واضح لنزع سلاح الحزب. وقد أبدى نائب “حزب الله”، علي عمّار، موقفاً مُحافظاً حيث اعتبر أن “السلاح زينة الرجال”، مما يعكس الفهم المتجذر لهذا المفهوم في أوساطهم. وقد ارتبطت هذه المقولة بتقاليد دينية وثقافية عميقة، إذ تحورت إلى مفهوم يتجاوب مع هوية المجاميع المسلحة.
لقد كانت دعوات تسليم السلاح للدولة مطروحة منذ فترة طويلة، ولا تزال في جوهر اتفاق الطائف. مؤخرًا، دعا الزعيم الدرزي وليد جنبلاط إلى تسليم السلاح للدولة، مطالبًا بإيجاد طرق مناسبة لذلك. إن تسليم السلاح لا يعد مجرّد مطلب خارجي، بل هو شرط أساسي لبناء دولة لبنان الحديثة، حيث يجب أن يتواجد السلاح في أيدي المؤسسات الوطنية مثل الجيش والشرطة.
إن القول بأن “السلاح زينة الرجال” يفقد معناه حين لا يكون لدى هؤلاء الرجال دور فعال في الجيش الوطني. خارج هذه السياقات، يصبح السلاح سلاح من يسيء استخدامه ليخيف الآخرين. لذا، يبقى العدل واستيعاب الجميع هو الخيار الأفضل الذي يجب أن تتبعه السلطة الحكيمة لإقناع الجميع بأن السلاح لا يُعتبر حلاً خارج الدولة، وإلا سيبقى مغرياً للاستخدام من قبل البعض.
اترك تعليقاً