تصاعد العلاقات الروسية الكورية الشمالية
تُسجل العلاقات بين روسيا وكوريا الشمالية تحولاً ملحوظاً نحو المزيد من التعاون الاستراتيجي في ظل الوقت الذي تعكف فيه المملكة العربية السعودية على تعزيز شراكتها الصناعية والتعدينية مع موسكو. تأتي هذه التطورات في إطار جولة نشطة من الدبلوماسية والاقتصاد تعكس التحولات المتسارعة في الساحتين الإقليمية والدولية.
الشراكة الاستراتيجية بين موسكو وبيونغ يانغ
في خطوة رمزية غنية بالمعاني السياسية، صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال لقائه مع نظيرته الكورية الشمالية تشوي سون هوي في مدينة وونسان، أن مشاركة القوات الكورية الشعبية في تحرير مقاطعة كورسك الروسية تعبر عن عمق الشراكة بين البلدين، مشيراً إلى أن هذه العلاقات تمثل “أخوّة لا تُقهر”. وقد أكد لافروف أن مشاركة الجنود الكوريين في القتال ضد ما وصفهم بـ”النازيين الأوكرانيين” تعزز الروابط التاريخية المشتركة، حيث قال: “لقد دفع جنودكم دماءهم بل وحياتهم في سبيل رفع علم الحرية في أرضنا… وهذا يُجسد صدق تحالفنا”.
تأتي هذه المحادثات ضمن الجولة الثانية من التعاون الاستراتيجي بين وزارتي الخارجية، مع ارتفاع ملحوظ في التبادل العسكري والسياسي بين موسكو وبيونغ يانغ. وقد حل لافروف في وونسان قادماً من ماليزيا، بعد مشاركته في قمة آسيان، على أن يتوجه لاحقاً إلى الصين لحضور اجتماع وزراء خارجية منظمة شنغهاي للتعاون.
استقبال الوزير الروسي كان مبهراً، حيث انتشر حرس الشرف وسط حشود من المواطنين الذين رفعوا الزهور، في مشهد يؤكد عمق العلاقات بين البلدين. تزامنت زيارة لافروف مع احتفالات كوريا الشمالية بافتتاح منتجع وونسان-كالما السياحي، والذي يُتوقع أن يستقطب نحو 20 ألف زائر، في خطوة لتعزيز القطاع السياحي.
تعزيز الشراكة الاقتصادية بين السعودية وروسيا
على الجانب الآخر، قامت المملكة العربية السعودية بإجراء سلسلة من الاجتماعات رفيعة المستوى بهدف تعزيز التعاون الصناعي والتعديني مع روسيا، في زيارة رسمية لمجموعة من المسؤولين برئاسة وزير الصناعة والثروة المعدنية بندر بن إبراهيم الخريف. وقد شملت هذه الاجتماعات التنفيذيين في الشركات الروسية الرائدة، مثل “ألروسا” و”نوردجولد” و”VSMPO-Avisma”، حيث تم تناول فرص الاستثمار والتعاون في مجالات متنوعة مثل الذهب والمعادن النادرة.
أعرب الخريف عن رغبة المملكة في نقل التكنولوجيا الروسية إلى السوق المحلية، مشيراً إلى أهداف السعودية في أن تصبح محوراً عالمياً في صناعة الألمنيوم، مع خطط لزيادة الإنتاج الحالية. كما دُعيت الشركات الروسية للمشاركة في منتدى المعادن المستقبلية المقرر في الرياض في عام 2026.
تشير البيانات الرسمية إلى أن السعودية تحتضن موارد معدنية غير مستغلة تُقدّر بنحو 2.5 تريليون دولار، في الوقت الذي شهدت فيه التجارة غير النفطية مع روسيا نمواً ملحوظاً، مما يعكس تصاعد الاهتمام بالشراكة الاقتصادية.
تأتي هذه الديناميات في سياق جيوسياسي متغير، بحيث تسعى روسيا لتكوين علاقات استراتيجية مع الدول الآسيوية في مواجهة العزلة الغربية، بينما تستمر السعودية في تحقيق رؤيتها الاقتصادية 2030 عبر تنويع مصادر دخلها وجذب الاستثمارات. الرسائل الصادرة من موسكو وبيونغ يانغ والرياض تشير بوضوح إلى أنه لطالما كان النظام العالمي في تطور مستمر، مع بناء تحالفات جديدة تستند إلى المصالح الاستراتيجية العميقة.
اترك تعليقاً