تداعيات انهيار أوهام الإخوان أمام أسوار دمشق

تحديات الإخوان المسلمين في ظل الحكم الجديد في سوريا

بعد سقوط نظام بشار الأسد ووصول أحمد الشرع إلى الحكم في سوريا، بدا أن جماعة الإخوان المسلمين قد وجدت فرصة تاريخية لاستعادة دورها في المشهد السياسي السوري. استقبلت هذه الجماعة التغيير بحماس، وأعلنت تأييدها للسلطة الجديدة، وبدأت تسعى منذ البداية لفرض أفكارها على الساحة السياسية والدينية، حتى أنها حاولت استخدام الرمزية القوية للمسجد الأموي لتوجيه رسائل سياسية من خلال بعض أفرادها الذين لم يترددوا في مهاجمة دول عربية من ساحة هذا المسجد، وكأنهم يعتقدون أن لحظة الفوضى هذه يمكن أن تتحول إلى استحواذ فكري دائم. ومع ذلك، لم تدرك جماعة الإخوان أن الإدارة السورية الجديدة، برئاسة أحمد الشرع، لم تكن في صدد السماح لأي طرف -بغض النظر عن نواياه- بالتحكم في القرار الوطني أو توجيه مسار الدولة وفق أجندات خارجية أو أفكار ضيقة.

تحديات الجماعة في سياق جديد

سرعان ما اتخذت السلطة في دمشق خطوات حاسمة لاستبعاد الشخصيات التي حاولت فرض وصايتها، وأعلنت أن سوريا الجديدة ليست ساحة لأحلام الجماعات العقائدية، ولا منصة لإعادة إنتاج تجارب مرفوضة، من أي مكان. اختارت الإدارة الحالية بوعي أن تكون سوريا جزءاً من الفضاء العربي، منفتحة على جيرانها، راغبة في بناء علاقات قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، بدلاً من النزاع الأيديولوجي أو الانخراط في صراعات غير مجدية. هذا الخيار، المبني على سياسة “صفر مشاكل” مع المحيط العربي، لم ينل رضا جماعة الإخوان التي تجد نفسها بشكل مفاجئ أمام رفض واسع لمشروعها، سواء من السلطة الجديدة أو من الشارع السوري، أو حتى من الدول العربية التي سئمت من تجارب الإسلام السياسي الفاشلة.

ومع تزايد المؤشرات على تمايز موقف دمشق عن طهران، خاصة بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على إيران، شعرت جماعة الإخوان بأنها في مأزق. فهي من ناحية لم تعد قادرة على التماهي مع السلطة السورية، ومن ناحية أخرى وجدتها تتجه نحو إيران. بدلاً من التعاطي مع الوضع بروح مسؤولة، اختارت الجماعة التصعيد ضد الرئيس الشرع، معربة عن عدم ثقتها في نواياه، رغم أنها كانت قد ساندته في بداية دخوله للسلطة. يعكس هذا التحول في خطاب الجماعة شعوراً عميقاً بخيبة الأمل واعتقاداً متزايداً بأن مشروعها أصبح مرفوضاً بالكامل. المحاولات الأخيرة لجماعة الإخوان لا تعكس حرصاً على الديمقراطية، بل هي تعبير عن رغبة يائسة لإعادة تدوير دورها في مشهد لم يعد يقبلها.

السوريون الذين عانوا الكثير من حروب الإقصاء والتطرف لا يرغبون في رؤية بلادهم أسيرة لأيديولوجيا أثبتت فشلها. فالحكومة الجديدة، تحت قيادة أحمد الشرع، تسعى لشركاء في البناء والتطوير، ولا تقبل وصاية من جماعة تاريخها يثبت أنها لا ترى في الدولة سوى وسيلة لتحقيق سلطتها. لذلك، فإن الهجمات الحالية من جماعة الإخوان ليست إلا تأكيدًا على عدم قدرتها على تحمل واقع دولة مستقلة ذات قرار حر ومكانة متوازنة في العالم العربي، لأن مثل هذه الدولة تعارض مشروعها وفكرها.

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *