27 مليار دولار تعزز العلاقات السعودية الإندونيسية من خلال اتفاقيات متعددة

تعزيز التحالف السعودي الإندونيسي في زمن التحولات العالمية

في ظل التغيرات الكبيرة التي يمر بها العالم في موازين القوى والتحالفات، تسعى الدول النامية إلى تقوية علاقاتها الثنائية والإقليمية لحماية مصالحها الاستراتيجية. زيارة رئيس جمهورية إندونيسيا، برابوو سوبيانتو، إلى المملكة العربية السعودية، تعكس حجم هذا التوجه، حيث تبرز أهمية التحالف السعودي-الإندونيسي كنموذج حديث للتكامل السياسي والاقتصادي والدفاعي في العالم الإسلامي، قائم على المصالح المتبادلة والرؤى التنموية المشتركة.

نموذج التعاون الثنائي

تتجاوز دلالات هذه الزيارة البعد البروتوكولي، وتعكس رغبة كلا الطرفين في تأسيس أطر مؤسسية للتعاون تشمل جميع المجالات الحيوية. فقد عقد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان جلسة مباحثات رسمية مع الرئيس الإندونيسي في قصر السلام بجدة، لتناول سبل تعزيز العلاقات التاريخية بين البلدين. وتم الإعلان عن بدء الاجتماع الأول لمجلس التنسيق الأعلى السعودي-الإندونيسي، والذي يهدف إلى وضع آلية حوكمة فعالة لتنسيق التعاون عبر مختلف القطاعات. وقد أعرب الجانبان عن أهمية مواصلة جهود المجلس وتطوير لجانه، مع التوجه لعقد الدورة الثانية في إندونيسيا في المستقبل القريب.

أبدى الجانب الإندونيسي تقديرًا خاصًا لجهود المملكة في خدمة الحرمين الشريفين، والتنسيق الفعّال الذي يضمن راحة الحجاج والمعتمرين من إندونيسيا. كما أكد الطرفان التزامهما بتحسين مستوى الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن، في سياق العلاقة الروحية العميقة التي تجمع الشعبين.

بلغت التجارة الثنائية بين المملكة وإندونيسيا خلال السنوات الخمس الماضية 31.5 مليار دولار، مما يجعل المملكة الشريك التجاري الأول لإندونيسيا في المنطقة. وقد تم الاتفاق على تعزيز التعاون الاقتصادي في مجالات متعددة مثل الطاقة، والتقنيات الخضراء، والسياحة، والخدمات المالية، وتطوير الصناعات التحويلية. وقد أعرب الجانبان عن ارتياحهما لتقدم المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة بين مجلس التعاون الخليجي وإندونيسيا، مع التطلعات لتوقيعها قريبًا.

وأبدى الجانبان اهتمامهما بتعزيز البيئة الاستثمارية من خلال تبادل الخبرات والزيارات وتنظيم المنتديات الدورية. قامت شركات القطاع الخاص بتوقيع اتفاقيات بقيمة 27 مليار دولار، تغطي مجالات الطاقة النظيفة، والبتروكيماويات، وخدمات الطيران. وشددا على أهمية وضع خارطة طريق مشتركة لتسهيل الاستثمار وتوسيع الآفاق الجديدة.

كما أشار الجانب الإندونيسي إلى دور المملكة المحوري في استقرار أسواق النفط، وتم الاتفاق على التعاون في ستة مجالات رئيسية في الطاقة تشمل: التكرير، والكهرباء المتجددة، وكفاءة الطاقة، والهيدروجين، وسلاسل التوريد، والتقنيات الصديقة للبيئة. وقد اتفق الطرفان أيضًا على تبني ممارسات الاقتصاد الدائري للكربون وتقنيات احتجاز الكربون، مع الالتزام المشترك بالتحول إلى مصادر الطاقة المستدامة.

تضمن البيان المشترك التزامًا بتعزيز التعاون في مجالات الابتكار، والاقتصاد الرقمي، والذكاء الاصطناعي، والبحث العلمي. كما أبدى الجانبان اهتمامًا مميزًا بملفات الأمن السيبراني، والتعليم، والعدالة، والثقافة. وتعاون الطرفان في المجالات الدفاعية والأمنية، بالإضافة إلى مكافحة الجريمة والتطرف، ومشاركة المعلومات والتدريب والخبرات.

أخيرًا، عبر الجانبان عن دعمهما للجهود الأممية لحل الأزمات الإقليمية في فلسطين واليمن وسوريا والسودان، وأكدا رفضهما للانتهاكات الإسرائيلية، ودعمهما لحل الدولتين. عبر الطرفان أيضًا عن قلقهما بشأن الوضع الإنساني، مطالبين المجتمع الدولي باتخاذ التدابير اللازمة لإنهاء الكارثة في غزة، مع التأكيد على دعم مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، ورفض التدخلات الخارجية في سوريا، وتشجيع الحوار السياسي في السودان.

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *