تعيش السياسة الفرنسية مرحلة صعبة في ظل وجود برلمان خالٍ من الأغلبية، حيث تتنازع القوى السياسية على مصير حكومة فرانسوا بايرو. وفي سياق هذه الأحداث، اتخذ الحزب الاشتراكي خطوة بطرح مذكرة لحجب الثقة عن الحكومة، والتي في البداية بدت كتكتيك ذكي لاستعادة زمام المبادرة، لكنها تحولت إلى خطأ استراتيجي أدى إلى زيادة الانقسامات في صفوف المعارضة بدلاً من توحيدها. هذه الخطوة، بدلاً من أن تعزز فرص المعارضة في إسقاط الحكومة، أعطت بايرو فرصة للبقاء على رأس الحكومة حتى الخريف.
الاشتراكية الفرنسية في مأزق
أشار لوران بوييه من مركز الدراسات السياسية الأوروبية إلى أن الحزب الاشتراكي أوقع نفسه في فخ الاستعراض السياسي، حيث كان بإمكان هذه الخطوة أن تكون فعالة، إلا أنها أدت إلى تعزيز التشتت بين صفوف اليسار، مما يمنح الحكومة فرصة أكبر للبقاء. واعتبرت سيلين فيريه، أستاذة العلوم السياسية، أن هذه المناورة تعكس أزمة القيادة داخل اليسار الفرنسي، حيث حاول الاشتراكيون استعادة السيطرة على المشهد السياسي ولكنهم عزلوا أنفسهم عن باقي الأحزاب اليسارية.
الاستراتيجيات اليمينية
في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى المذكرة التي ستُناقش في الجمعية الوطنية، أعلن حزب “التجمع الوطني” بزعامة مارين لوبن أنه لن يدعمها، رغم أن هذا الموقف قد يثير الاستياء داخل الحزب. ومع ذلك، فإنه يعكس استراتيجية اتسمت بتأجيل المواجهة الحاسمة إلى وقت لاحق، عندما يتم مناقشة ميزانية الدولة في الخريف، حيث يأمل الحزب في إمكانية إسقاط الحكومة عبر تلك المناقشات.
وعلى صعيد اليسار، على الرغم من أن بعض الأحزاب مثل “فرنسا الأبية” و”الخضر” و”الشيوعيين” يعبرون عن تأييدهم لمذكرة حجب الثقة، فإن الحزب الاشتراكي قرر عدم مشاركتهم في صياغتها، مما يعكس انفصالاً واضحاً عن القوى اليسارية الأخرى. ومن المؤكد أن هذا التمزق بين صفوف اليسار سيقلل من فرص نجاح المذكرة في إسقاط الحكومة.
في الوقت الحالي، فإن فرص سقوط حكومة فرانسوا بايرو تبدو ضئيلة، ولكن بقائها ليس مضمونا على المدى الطويل، حيث يتزايد شعور العزلة لدى بايرو، وسط استحقاقات قادمة تتعلق بخطة التقشف ومناقشة موازنة 2026. من المحتمل أن يشكل الملفان، التقاعد والميزانية، فرصة لخصومه للتوحد ضده مع عودة البرلمان في الخريف، مما قد يزيد من الضغوط على حكومته.
اترك تعليقاً