المساءلة القانونية للتعليقات الإلكترونية
بضغطة زر واحدة، يمكن أن تضيف تعليقاً حول مطعم لم يكن بتجربتك، أو تعبر عن استيائك من خدمة معينة، أو حتى تشارك منشوراً يبدو معقولاً بالنسبة لك. ولكن ما لا تدركه هو أن هذه الكلمات العابرة قد تؤدي إلى مشاكل قانونية واسعة، حيث يمكن أن تتحول من رأي شخصي إلى جريمة إلكترونية. خلال الأشهر الأخيرة، سجلت المحاكم العديد من الحالات التي صدرت بحق أصحابها أحكام قضائية، مما يدل على أن الكلمة المكتوبة على الإنترنت قد تُعتبر كأداة قانونية، مع المسؤولية الكاملة تقع على عاتق كاتبها.
الإساءة القانونية عبر الإنترنت
تطرح هذه الحالات سؤالاً مهماً: ما هو الحد الفاصل بين الرأي الشخصي والتشهير، ومتى يصبح التعليق الإلكتروني جريمة قانونية؟ للإجابة، قابلنا عددًا من القانونيين للحديث عن العقوبات التي تطال المتورطين وطرق تجنبها.
المحاكم شهدت وقائع تتعلق بالتشهير أو السب والقذف عبر وسائل التواصل، مثل قضية شاب عربي في دبي أدين بالسب والإساءة لممرضة في مركز صحي من خلال تعليق سلبي على منصة «جوجل ريفيو». لم تكتفِ المحكمة بتغريمه 5000 درهم، بل قامت أيضاً بمصادرة هاتفه وحذفت تعليقه، وقررت تعليق العقوبة لمدة ثلاث سنوات.
وفي تشابه آخر، قضت محكمة بإلزام شاب بدفع تعويض لصاحب محل تجاري بعد أن أساء لسمعته بأحد تعليقاته السلبية على وسائل التواصل الاجتماعي، بالرغم من أن ما كتبه كان مستنداً إلى تجربته الشخصية، إلا أن الضرر نتج عن نشره استدعى الحكم بتعويضه.
في حالة أخرى، قدم صاحب مطعم في دبي بلاغاً ضد شخص أساء إليه على وسائل التواصل، حيث اتهمه بالنصب والاحتيال بسبب فاتورة مرتفعة، ما أدى لاستنتاجات غير دقيقة. وقد انتهت القضية بعقوبة كبيرة قدرها 500 ألف درهم للمطعم نتيجة الأضرار التي لحقت به.
شددت التعديلات الأخيرة على قانون الجرائم الإلكترونية على العقوبات، فتنص المادة على أنه من يُسيء عبر شبكة معلوماتية قد يتعرض لعقوبات تصل إلى الحبس وغرامة تصل إلى 500 ألف درهم. يُعاقَب من يُسيء لسمعة أي جهة عامة أو خاصة أو يتسبب بخسائر بسبب نشر محتوى عبر الإنترنت، حتى لو لم تكن المعلومات كاذبة تماماً.
أوضح المحامي أحمد الزرعوني أن منصات التقييم الإلكتروني أصبحت جزءاً أساسياً من حياتنا اليومية، ورغم أهمية هذه التقييمات، فإنها لا تخلو من إساءة الاستخدام، مما يتطلب تحديد الحدود بين حرية الرأي والتجاوزات التي قد تصل للسب والقذف.
يجب أن يكون التعليق مستنداً إلى تجربة حقيقية وبأسلوب هادئ، مثل الإشارة إلى بطء الخدمة أو جودة الطعام دون تجريح. مثل هذه التعليقات تُعتبر مقبولة قانونياً. ومع ذلك، يُدرك القانونيان عواقب التعليقات المسيئة، التي قد تندرج تحت المادة (425) من قانون العقوبات الاتحادي والتي تعاقب بالإساءة للسمعة.
التعليقات السلبية على منصات مثل جوجل وإنستغرام تُعتبر أدلة قانونية. حيث يعامل قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية أي إساءة أو اتهام غير مثبت كتشهير. هناك حالات شهدت أحكاماً بقيمة 300 ألف درهم بسبب تعليق سلبي واحد، ويعتمد الحكم على الضرر الذي ألحقه التعليق بسمعة المتضرر.
المحامي موسى العامري نصح بعدم التسرع في نشر التعليقات، مشيراً إلى أن المشكلات يجب أن تُحل بالطرق القانونية عبر الجهات الرسمية بدلاً من نشرها على الملأ. حيث إن النوايا الحسنة لا تعفي من العقوبة، فالمسؤولية تقع على عاتق الناشر.
كما أبرز المحامي عمر العوضي الفرق بين الرأي الشخصي والاتهام الصريح، حيث يُعتبر الأول تعبيراً عن تجربة شخصية، بينما يُعد الثاني إسقاطاً لحكم أخلاقي. إذا لم يكن مدعوماً بأدلة، قد يؤدي إلى عواقب قانونية وخيمة.
أخيراً، أشار العوضي إلى أهمية الوعي الرقمي وتقدير العواقب الناتجة عن الكلمات المكتوبة، لأن النشر في الفضاء العام لا يعني الحماية من المساءلة، حتى إعادة نشر تعليقات مسيئة قد تعرض الشخص للمسؤولية القانونية.
اترك تعليقاً