غزة وكذبة حقوق الإنسان
في زمن أفلاطون، كانت العدالة تُعتبر فضيلة. أما في عصرنا، فهي تُمثل سلعة تُمنح لبعض الشعوب وتُحرم أخرى، حسب ما يخدم مصالح القوى الكبرى. الصور القادمة من غزة تكشف عن الحقيقة، لكن المنصات العالمية تُعيد تشكيلها لتتحول إلى “رواية”. الاحتلال لا يُسمى احتلالًا، بل “نزاعًا”، والمقاومة لا تُعتبر مقاومة، بل “تحريضًا”. وعندما تصبح الكاميرا أداة للتضليل، والمصطلح وسيلة للتمويه، تتحول الكارثة إلى سردية مُعوجة، تخدم رواية الجلاد وتُسكت صرخات الضحية.
نفاق العالم وصمت الإنسانية
غزة ليست مجرد منطقة جغرافية. إنها فكرة، امتحان للإنسانية. هل يمكن للإنسان أن يظل إنسانًا في ظل هذا القدر من القتل؟ أم أن الصمت أصبح الوسيلة الجديدة للقبول؟ هل لا يزال هناك مفهوم لـ”الكرامة” في عالم تُدفن فيه القيم مع الضحايا تحت الأنقاض؟ في أوكرانيا، تُقدم المساعدات فورًا، وتُرسل الأسلحة، وتُفرض العقوبات، وتنطلق احتجاجات عالمية في الشوارع. بينما في غزة، يكون رد الفعل غالبًا هو الصمت، أو تحميل الضحية مسؤولية مصيرها. حقوق الإنسان؟ أم حقوق الإنسان الأبيض فقط؟ حرية؟ أم حرية من يتوافق معنا في الدين والسياسة واللون؟
غزة تكشف ما يرفض العالم الاعتراف به: أن الإنسانية الانتقائية ليست إنسانية بل عنصرية مقنّعة. غزة بحاجة إلى يقظة الضمير؛ تتطلب شيئًا بسيطًا: أن تُعامل كأي مدينة أخرى، وأن تُحترم حياة سكانها كما تُحترم حياة الآخرين. وعندما يُرفع الستار عن هذه المسرحية الكونية، سيتم كتابة التاريخ بأن غزة، رغم الدم والحصار والمجازر، فضحت البشرية، وأن طفلًا واحدًا خرج من تحت الأنقاض كان أكثر شرفًا من كل البيانات الدبلوماسية، وأكثر صدقًا من جميع خطابات الأمم.
اترك تعليقاً