شعر في مدح الرسول للشافعي تأملات رائعة ومؤثرة تعكس عظمة الخاتم والمسلمون في حضرة النبوة

شعر في مدح الرسول للشافعي تأملات رائعة ومؤثرة تعكس عظمة الخاتم والمسلمون في حضرة النبوة

يُعَدُّ الشعر أحد أبرز أشكال التعبير الفني التي تُستخدم منذ القدم للتعبير عن المحبة والتقدير للشخصيات العظيمة،ومن بين هؤلاء الشخصيات العظيمة يتميز النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي يُعتبر رمزاً للسلام والمحبة،ويعد الإمام الشافعي أحد أشهر الشعراء الذين كتبوا في مدح الرسول، حيث عبر عن عواطفه الجياشة تجاه النبي من خلال قصائد تعكس صفات النبي ومكانته،سوف نعرض في هذا البحث بعض الأبيات التي قام الشافعي بتأليفها، بالإضافة إلى دراستها وتحليلها.

شعر في مدح الرسول للشافعي

الإمام الشافعي، واسمه عبد الله محمد بن إدريس، وُلِدَ في عام 150 هجريًا، بعد وفاة الرسول بفترة زمنية، ومع ذلك يكن له حبٌ كبير يجعله يثني عليه من خلال الشعر،يُعتبر الشافعي أحد الأئمة الأربعة للإسلام، وقد اشتهر بالحكمة والفطنة،كان حبّه للرسول يدفعه لكتابة الأشعار التي تتميز ببلاغتها وجماليتها،اليوم سوف نبحث في بعض الأبيات التي تعكس هذا الحب، ونبدأ بقصيدته الشهيرة “ما في المقام”، التي تُظهر مكانة الرسول في قلبه.

ما في المَقامِ لِذي عَقلٍ وَذي أَدَبِ ** مِن راحَةٍ فَدَعِ الأَوطانَ وَاِغتَرِب

سافِر تَجِد عِوَضًا عَمَّن تُفارِقُهُ ** وَاِنصَب فَإِنَّ لَذيذَ العَيشِ في النَصَبِ

إِنّي رَأَيتُ وُقوفَ الماءِ يُفسِدُهُ ** إِن ساحَ طابَ وَإِن لَم يَجرِ لَم يَطِبِ

وَالأُسدُ لَولا فِراقُ الأَرضِ مااِفتَرَسَت ** وَالسَهمُ لَولا فِراقُ القَوسِ لَم يُصِبِ

وَالشَمسُ لَو وَقَفَت في الفُلكِ دائِمَةً ** لَمَلَّها الناسُ مِن عُجمٍ وَمِن عَرَبِ

وَالتِبرُ كَالتُربِ مُلقىً في أَماكِنِهِ ** وَالعودُ في أَرضِهِ نَوعٌ مِنَ الحَطَبِ

فَإِن تَغَرَّبَ هَذا عَزَّ مَطلَبُهُ ** وَإِن تَغَرَّبَ ذاكَ عَزَّ كَالذَّهَبِ

أَرى الغِرَّ في الدُنيا إِذا كانَ فاضِلًا ** تَرَقّى عَلى روسِ الرِجالِ وَيخطُبُ

وَإِن كانَ مِثلي لا فَضيلَةَ عِندَهُ ** يُقاسُ بِطِفلٍ في الشَوارِعِ يَلعَبُ

أَنتَ حَسبي وَفيكَ لِلقَلبِ حَسبُ ** وَلِحَسبي إِن صَحَّ لِيَ فيكَ حَسبُ

لا أُبالي مَتى وِدادُكَ لي صَحَّ ** مِنَ الدَهرِ ما تَعَرَّضَ خَطبُ

خَبِّرا عَنِّي المُنَجِّمَ أَنِّي ** كافِرٌ بِالَّذي قَضَتهُ الكَواكِبُ

عالِمًا أَنَّ ما يَكونَ وَما كانَ ** قَضاءٌ مِنَ المُهَيمِنِ واجِبُ

يُعتبر الشافعي شخصية محورية في تاريخ الفكر الإسلامي، ومؤلفاته ما زالت تُدَرَّس حتى يومنا هذا،كانت قصائده تتمثل في أسلوب سلس وبليغ، حيث تجذب القارئ من خلال بلاغة اللفظ وجمال المعاني،شاع شعره هذا في المجالس العامة والخاصة، واحتفظ بذكريات جميلة عن الرسول في عقول الناس.

قصيدة من مثلكم لرسول الله ينتسب

من المهم أن نذكر أن الشافعي لم يكن مجرد شاعر، بل كان عالمًا في الفقه والشريعة، وترك لنا عددًا كبيرًا من الكتب التي أثرت في كثير من المجالات،كانت قصائده في مدح الرسول تعكس هذه الثقافة العميقة، حيث كانت تودع في معانيها شخصيات وأفكار تعبر عن الحب والاحترام للنبي.

هذه القصيدة، التي تُعرف باسم “من مثلكم لرسول الله ينتسب”، تعد من أروع ما كتب الشافعي، وأبرز الأبيات تعبر عن مكانة النبي

من مثلكم لرسول الله ينتسب                     ليت الملوك لها من جدكم نسب

ما للسلاطين أحساب بجانبكم                    هذا هو الشرف المعروف والحسب

أصلٌ هو الجوهر المكنون ما لعبت             به الأكفّ ولا حاقت به الريب

خير النبيين لم يُذكر على شفةٍ                   إلا وصلّت عليه العجم والعرب

خير النبيين لم تُحصر فضائله                   مهما تصدت لها الأسفار والكتب

خير النبيين لم يُقرَن به أحدٌ                      وهكذا الشمس لم تُقرَن بها الشهب

واهتزت الأرض إجلالًا لمولده                   شبيهةً بعروس هزّها الطرب

الماء فاض زلالًا من أصابعه                    أروى الجيوش وجوف الجيش يلتهب

والظبي أقبل بالشكوى يخاطبه                   والصخر قد صار منه الماء ينسكب

يمثل الشعر في مدح الرسول موضوعًا محببًا لدى الكثير من الشعراء، حيث يعتبر من أجمل أشكال الفنون التي تعبر عن العواطف العميقة،على الرغم من التحذيرات من الشعر، لكن المدح في أشرف الخلق كان مُحترمًا ومقبولًا، مما دفع الشافعي لكتابة مثل هذه الأبيات الرائعة.

قصيدة يا آل بيت رسول الله حبكم

تجدر الإشارة إلى أن حسن تعبير الإمام الشافعي يعكس عمق محبته للنبي ولآل بيته الذين يعتبرون جزءًا لا يتجزأ من تاريخه،وآل البيت هم الذين دعموا الرسول في الدعوة، ولم يتردد الشافعي في الإشارة إليهم في قصائده،نعرض الآن بعض الأبيات من قصيدته التي تُظهر ذلك الحب

يا آلَ بَيتِ رَسولِ اللَهِ حُبَّكُمُ ** فَرضٌ مِنَ اللَهِ في القُرآنِ أَنزَلَهُ

يَكفيكُمُ مِن عَظيمِ الفَخرِ أَنَّكُمُ ** مَن لَم يُصَلِّ عَلَيكُم لا صَلاةَ لَهُ

إِذا نَحنُ فَضَّلنا عَلِيًّا فَإِنَّنا ** روافِضُ بِالتَفضيلِ عِندَ ذَوي الجَهلِ

وَفَضلُ أَبي بَكرٍ إِذا ما ذَكَرتُهُ ** رُميتُ بِنَصبِ عِندَ ذِكري لِلفَضلِ

فَلا زِلتُ ذا رَفضٍ وَنَصبِ كِلاهُما ** بِحِبَّيهِما حَتّى أُوَسَّدَ في الرَملِ

إِنَّ المُلوكَ بَلاءٌ حَيثُما حَلّوا ** فَلا يَكُن لَكَ في أَبوابِهِم ظِلُّ

ماذا تُؤَمِّلُ مِن قَومٍ إِذا غَضِبوا ** جاروا عَلَيكَ وَإِن أَرضَيتَهُم مَلّوا

فَاِستَغنِ بِاللَهِ عَن أَبوابِهِم كَرَما ** إِنَّ الوقوفَ عَلى أَبوابِهِم ذُلُّ

لا يُدرِكُ الحِكمَةَ مَن عُمرُهُ ** يَكدَحُ في مَصلَحَةِ الأَهلِ

وَلا يَنالُ العِلمَ إِلّا فَتىً ** خالٍ مِنَ الأَفكارِ وَالشُغلِ

لَو أَنَّ لُقمانَ الحَكيمَ الَّذي ** سارَت بِهِ الرُكبانُ بِالفَضلِ

بُلي بِفَقرٍ وَعِيالٍ لَما ** فَرَّقَ بَينَ التِبنِ وَالبَقلِ

تشير هذه الأبيات إلى الفخر والاعتزاز بآل البيت، الذين هم جزء لا يتجزأ من تاريخ الإسلام،صورة الأسرة النبوية كانت دائمًا جزءًا من الثقافة الإسلامية التي تُكرّمهم، وقد عبّر الشافعي عن ذلك ببراعة في قصائده.

قصائد مدح رسول الله

أدّت قصائد الشافعي إلى إنعاش أرواح المسلمين وتشجيعهم على محبة الرسول،لكن الشافعي ليس الوحيد الذي كتب في حب الرسول، فهناك العديد من الشعراء الذين أثروا في الأدب العربي بقصائدهم،لذلك، سنستعرض مجموعة من هؤلاء الشعراء، مع بعض من أبرز قصائدهم في المدح.

1 قصيدة بمدح المصطفى تحيا القلوب للبوصيري

محمد بن سعيد حماد البوصيري شاعر قدير وُلِدَ عام 1213 ميلادي،كان له محبة كبيرة للرسول، وقد أبان ذلك من خلال قصيدته الشهيرة،تتضمن قصيدته الأبيات التالية

بِمَدْحِ المصطفى تَحيا القلوبُ ** وَتُغْتَفَرُ الخطايا وَالذُّنوبُ

وَأَرْجُو أن أعِيشَ به سعيدًا ** وَأَلقاهُ وَليس عَلَيَّ حُوبُ

نبيٌّ كامل الأوصافِ تَمَّتْ ** محاسِنُه فقيل له الحبيبُ

يُفَرِّجُ ذِكْرُهُ الكُرُباتِ عنا ** إذا نَزَلَتْ بساحَتِنا الكُروبُ

مدائحُه تَزيدُ القَلْبَ شَوْقًا ** إليه كأنها حَلْيٌ وَطيبُ

وَأَذْكُرُهُ وَلَيْلُ الخَطْبِ داجٍ ** عَلَيَّ فَتَنْجَلِي عني الخُطوبُ

وَصَفْتُ شمائلًا منه حِسَانًا ** فما أدري أمدحٌ أمْ نَسيبُ

وَمَنْ لي أنْ أرى منه مُحَيًّا ** يُسَرُّ بحسنِهِ القلْبُ الكئِيبُ

كأنَّ حديثَه زَهْرٌ نَضِيرٌ ** وَحاملَ زَهْرِهِ غُصْنٌ رَطيبُ

وعلى الرغم من أن البوصيري عُرف بالعقل الراجح، إلا أن شعره يبهر القلوب،شكلت هذه الأبيات جزءًا من التراث الأدبي الذي يحتفي بمكانة الرسول الكريم.

2 قصيدة (لأحمد في الذكر وصف عظيم)

أما في سوريا، فقد ولِد الشاعر المكزون السنجاري، الذي كان يتميز برقة المشاعر والدقة في التعبير،قصيدته “لأحمد في الذكر وصف عظيم” تعكس الكثير من الحب لرسول الله

لِأَحمَدَ في الذِكرِ وَصفٌ عَظيمٌ ** رَسولٌ نَبِيٌّ رَؤوفٌ رَحيمُ

شَهيدٌ بَشيرٌ سِراجٌ مُنيرٌ ** سِميعٌ بَصيرٌ خَبيرٌ عَليمُ

نَذيرٌ مُجيرٌ وَلِيٌّ نَصيرٌ ** وَساعٍ وَداعٍ وَراعٍ حَميمُ

كِتابٌ مُبينٌ قَوِيٌّ أَمينٌ ** مَكانٌ مَكينٌ صِراطٌ قَويمُ

ذُكورٌ شَكورٌ صَبورٌ وَقورٌ ** حَميدٌ مَجيدٌ غَفورٌ حَليمُ

ولم يفت الفرصة الشاعر في حب النبي، حيث عكس جمال اللغة العربية في إبداعه الشعري.

3 قصيدة كيف ترقى رقيك الأنبياء

يعتبر البوصيري أيضًا أحد الشعراء المميزين الذين كتبوا قصائد رائعة في مدح الرسول،واحد من أشهر أعماله هي القصيدة التي تحمل عنوان “كيف ترقى رقيك الأنبياء”

كيف ترقَى رُقِيَّك الأَنبياءُ ** يا سماءً ما طاوَلَتْها سماءُ

لَمْ يُساوُوك في عُلاكَ وَقَدْ حا ** لَ سنًا مِنك دونَهم وسَناءُ

إنّما مَثَّلُوا صِفاتِك للنا ** س كما مثَّلَ النجومَ الماءُ

أنتَ مِصباحُ كلِّ فضلٍ فما تَصـ ** دُرُ إلا عن ضوئِكَ الأَضواءُ

لكَ ذاتُ العلومِ من عالِمِ الغَيـ ** بِ ومنها لآدمَ الأَسماءُ

لم تَزَلْ في ضمائرِ الكونِ تُختَا ** رُ لك الأُمهاتُ الأَباءُ

ما مضتْ فَترةٌ من الرُّسْلِ إِلّا ** بَشَّرَتْ قومَها بِكَ الأَنبياءُ

تتباهَى بِكَ العصورُ وَتَسْمو ** بِكَ علْياءٌ بعدَها علياءُ

وَبَدا للوُجُودِ منك كريمٌ ** من كريمٍ آبَاؤُه كُرماءُ

نَسَبٌ تَحسِبُ العُلا بِحُلاهُ ** قَلَّدَتْهَا نجومهَا الْجَوزاءُ

حبذا عِقْدُ سُؤْدُدٍ وَفَخَارٍ ** أنتَ فيه اليتيمةُ العصماءُ

وُمُحَيًّا كالشَّمس منكَ مُضِيءٌ ** أسْفَرَت عنه ليلةٌ غَرّاءُ

تفاجئك الأبيات بجمال التصوير، فضلاً عن الرسوم المعبرة عن مكانة النبي في قلوب الشعراء.

4 قصيدة ولد الهدى فالكائنات ضياء

أحمد شوقي، أمير الشعراء، يُعتبر من أبرز من تناولوا موضوع مدح الرسول،قصيدته “ولد الهدى” تعتبر واحدة من روائع الشعر العربي

وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ ** وَفَـمُ الـزَمـانِ تَـبَـسُّـمٌ وَثَناءُ

الـروحُ وَالـمَـلَأُ الـمَلائِكُ حَولَهُ ** لِـلـدينِ وَالـدُنـيـا بِهِ بُشَراءُ

وَالـعَـرشُ يَزهو وَالحَظيرَةُ تَزدَهي ** وَالـمُـنـتَـهى وَالسِدرَةُ العَصماءُ

وَحَـديـقَـةُ الفُرقانِ ضاحِكَةُ الرُبا ** بِـالـتُـرجُـمـ انِ شَـذِيَّةٌ غَنّاءُ

وَالـوَحيُ يَقطُرُ سَلسَلًا مِن سَلسَلٍ ** وَالـلَـوحُ وَالـقَـلَـمُ البَديعُ رُواءُ

نُـظِمَت أَسامي الرُسلِ فَهيَ صَحيفَةٌ ** فـي الـلَـوحِ وَاِسمُ مُحَمَّدٍ طُغَراءُ

تُظهر الأبيات قوة اللغة العربية وجمالها في التعبير عن مشاعر الحب والخير التي اجتاحت قلوب المسلمين.

5 قصيدة إن الذي بعث النبي محمدًا

الشاعر جرير بن عطية، على الرغم من عدم عيشه في زمن النبي، قد عبر عن مشاعره الجياشة تجاه الرسول من خلال الأبيات الشعرية،سُجلت له العديد من القصائد

إِنَّ الَّذي بَعَثَ النَبِيَّ مُحَمَّدًا ** جَعَلَ الخِلافَةَ في الإِمامِ العادِلِ

وَلَقَد نَفَعتَ بِما مَنَعتَ تَحَرُّجًا ** مَكسَ العُشورِ عَلى جُسورِ الساحِلِ

قَد نالَ عَدلُكَ مَن أَقامَ بِأَرضِنا ** فَإِلَيكَ حاجَةُ كُلِّ وَفدٍ راحِلِ

إِنّي لَآمُلُ مِنكَ خَيرًا عاجِلًا ** وَالنَفسُ مولَعَةٌ بِحُبِّ العاجِلِ

وَاللَهُ أَنزَلَ في الكِتابِ فَريضَةً ** لِاِبنِ السَبيلِ وَلِلفَقيرِ العائِلِ

تحمل قصائد مدح رسول الله قيمة عاطفية ودينية كبيرة، وتعتبر من العوامل التي تحافظ على الأواصر بين المسلمين وتذكيرهم بتعاليم دينهم،إن الأعمال الشعرية ليست مجرد كلمات، بل هي تعبير عن المشاعر الإنسانية الخالصة تجاه نبي الهدى والرحمة، والتي وظفها الشعراء بكل بلاغة.

ختامًا، تُعتبر قصائد الشافعي والأدباء الآخرين في مدح رسول الله من أهم روائع الأدب العربي،هذه الأعمال تحث الأجيال اللاحقة على التعلم من صفات الرسول وقدوته،فهي تُعبر عن الحب والاحترام وتقدير النعمة التي وهبها الله للناس ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم،نتمنى أن تُ inspire الأجيال القادمة لمتابعة هذه المسيرة الخالدة.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *